9
إن استطعت ألا تعمل عند أحد فلا تفعل
كن حر نفسك صاحب عملك ما استطعت، فالعمل عند الناس في زماننا عبودية، بل إن الرق فيما مضى كان أكرم للعبد مما تقدمه الوظيفة اليوم للحر، يأكل الغلام مما يأكل سيده ويلبس مما يلبس، لا يهينه و لا يحرمه حقوقه الأساسية، بل و ينال الأجر إن زاد عليها، و لا يبات الغلام مهمومًا و مولاه مسؤول عنه، أما اليوم فالموظف بالكاد يكفي حاجته و ليس له حق على صاحب العمل معشار ما كان للعبد، يصحو كل صباح في كدر، و يزاحم الناس في الطرقات و المواصلات ليصل إلى عمله في موعده، و يكابد زملاءه أكثر مما يكابد عملاءه، ثم يعود لينام كالقتيل حتى يعاود الدوران في اليوم التالي، و إن استرق من وقته ساعة لبيته و عياله فهو من رصيد صحته لأنه يسرق الساعة من نومه و راحته لا من دوامه، ثم بعد هذا كله يذهب مكسب العمل لصاحب العمل و يلقي للعبيد بالفتات الذي بالكاد يكفيهم، وهذا هو القصد من المرتبات المتدنية، أن تنال ما يكفي طعامك و شرابك و مصروفاتك اليسيرة و علاج من الدرجة الثالثة إن أصابك مرض، و بعض الترفيه لك و لعيالك حتى لا تصل إلى نقطة الانفجار، كي تستمر في تدوير الساقية كالثور، عيناك معصوبتان كي لا تنظر حولك فترى سعة الدنيا، و تقنع بالبرسيم الذي يقدم لك.