الكولسترول
حين تخبر الناس أن الكولسترول لا يضر، وأن الطعام الغني بالدهون والكولسترول مفيد لصحتهم، تتفاوت ردود الأفعال بين رافض يصيح في وجهك وآخر يظن أنك مجنون. فما تعلمناه على مدار سنوات من غسيل الدماغ الإعلامي أن الكولسترول سبب لأمراض القلب والسمنة. هذا ما يدعيه صغار الأطباء و تردده الإعلانات ليل نهار، زيت عالية، صحي وخال من الكولسترول، سمن المدام، خفيفة على المعدة وخالية من الكولسترول، مع الوقت صارت لدينا قناعة لا نعرف متى بدأت أن الكولسترول هو سبب كل مصائب الدنيا. ولكن هذا الكلام يحتاج لإعادة نظر، فما هي حكاية الكولسترول وما ضرره وهل له فائدة؟
فوائد الكولسترول
1. بدون كولسترول تموت
نعم، بهذه البساطة، فالكولسترول هو المادة الخام للعديد من الوظائف الحيوية، على سبيل المثال الغشاء الخلوي يتكون بنسبة كبيرة من الكولسترول، بدونه تفقد الخلايا شكلها ونصبح كتلةً هلامية.
2. مكون أساسي للهرمونات الجنسية الذكرية والأنثوية
تؤكد العديد من الدراسات انخفاض الشهوة الجنسية وكذلك ضعف الانتصاب عند تعاطي الرجل عقاقير خفض الكولسترول.
3. ڤيتامين د يتكون من الكولسترول
في الحقيقة ڤيتامين د ليس ڤيتامين بل هرمون، وكما ذكرنا من قبل عن أهمية الكولسترول لتكوين الهرمونات الجنسية فكذلك هو مهم لتكوين هرمون ڤيتامين د، يتكون ڤيتامين د بتعرض الكولسترول المتواجد في جلد الإنسان للأشعة تحت البنفسجية في الموجة المتوسطة، فيحدث تفاعل كيميائي ينتج عنه ڤيتامين د3.
تستخدم أجسامنا ڤيتامين د للعديد من الوظائف المهمة مثل الاستجابة المناعية، وتنظيم الكالسيوم والفوسفات، والحد من الالتهاب ويرتبط مستويات متزايدة منه مع تحسّن الصحة العقلية والعاطفية وكذلك زيادة مستويات هرمون التستوستيرون.
4. العصارة الصفراوية ينتجها الكولسترول
إذا أكلت شريحة لحم فلا بد من هضمها حتى يتغذى منها جسمك، والعصارة الصفراوية تلعب دورًا هامًا في هذه العملية.
5. الكولسترول حيوي لصحة الدماغ
تمتلئ الدماغ بالكولسترول ليس فقط لتكوين الخلايا العصبية الجديدة، ولكن أيضا للحفاظ على سلامة الخلايا العصبية وتسهيل الاتصالات الخلوية.
وقد وجدت الباحثون أن انخفاض مستويات الكولسترول (حوالي 160 ملغ / ديسيلتر أو أقل) ترتبط بفقدان الذاكرة والاكتئاب، والعدوانية. بدون الكولسترول لا تستطيع دماغك القيام بالاتصالات الخلوية التي يحتاجها للحفاظ على حدته وحيويته. للحفاظ على الدماغ صحية عن طريق الكولسترول، ينصح بتناول دماغ الحيوانات، وهي بالمناسبة من أطيب الطعام.
6. الكولسترول يساعد في مكافحة العدوى
أظهرت الأبحاث وجود علاقة عكسية بين مستويات الكولسترول والعدوى - انخفاض مستويات الكولسترول، يقلل المناعة ويزيد من احتمال الإصابة بالعدوى والأمراض. إذا كيف يكافح الكولسترول العدوى؟ تشير الدراسات إلى أن LDL (ما يسمى الكولسترول "السيئ") يلعب دورا في تحفيز جهاز المناعة لمحاربة العدوى. عندما يقل الكولسترول يقل إنتاج الأجسام المضادة.
إن كان الكولسترول يعطينا كل هذه الفوائد الصحية ولا غنى عنه لصحتنا، فكيف ساءت سمعته؟
السبب كان سياسات خاطئة وأخطاء علمية، استغلتها شركات الزيوت النباتية لتسويق منتجاتها، فزيت الزيتون ليس رخيصًا والسمن البلدي غير مربح، أما زيت النخيل وبذرة القطن و دوار الشمس وكل ما هب ودب من المخلفات النباتية فهو الذي يدر عليهم المليارات.
في الخمسينات من القرن الماضي، لاحظ أنسيل بنيامين كيس، الباحث اليهودي الأمريكي الذي صمم الحصة التموينية لجنود الحرب العالمية الثانية، أن المديرين التنفيذيين الأمريكيين ذوي التغذية الجيدة لديهم معدلات عالية من أمراض القلب، في حين أن الأفراد الذين يعانون من سوء التغذية الذين يعيشون في أوروبا ما بعد الحرب كان لديهم معدلات أقل. افترض أنسيل مخطئًا أن النظام الغذائي الأمريكي - الغني بالدهون والكولسترول - هو المسؤول، وكتب دراسة لإثبات ذلك.
وكانت دراسته الشهيرة "سبعة بلدان" واحدة من أولى الدراسات الطولية لاختبار تأثير النظام الغذائي على الصحة. فحص أنسيل الدهون المشبعة واستهلاك الكولسترول في سبعة بلدان (ومن هنا جاء اسم الدراسة) ووجد علاقة مثالية على ما يبدو بين معدلات أمراض القلب ومعدلات الكولسترول واستهلاك الدهون المشبعة. وأظهرت بياناته بالضبط ما توقعه.
وعلى الفور، شكك باحثون آخرون في صحة الدراسة. كان الطبيب البريطاني جون يودكين متشككا بشكل خاص. وكان يودكين قد أجرى أبحاثا مماثلة، ووجد العديد من البلدان التي كان استهلاكها من الدهون المشبعة فوق المتوسط، ولكن أمراض القلب فيهم قليلة. يودكين، جنبا إلى جنب مع علماء آخرين، اتهم أنسل بانتقاء البلدان في دراسته من أجل إثبات استنتاجه. وذهبوا إلى أنه ليس الكولسترول والدهون هي التي تسبب أمراض القلب، بل زيادة استهلاك السكر هو الجاني الحقيقي.
ولكن بسبب دور كيس في تطوير معايير التغذية للجنود خلال الحرب العالمية الثانية، كان له نفوذ سياسي هائل مع أعضاء الكونجرس والبيروقراطيين، ووسائل الإعلام، كالعادة يتدخل الحكام لإفساد حياة الناس. وشجعته نتائج دراسته، فبدأ كيس في الضغط على الحكومة الأمريكية أن توصي بخفض الدهون والكولسترول في الوجبات الغذائية. في عام 1977، نشر السيناتور جورج ماكغفرن، رئيس لجنة التغذية والاحتياجات البشرية في مجلس الشيوخ، المبادئ التوجيهية الغذائية استنادا إلى أبحاث كيس التي سيكون من شأنها أن تغير جذريا كيف يأكل الأمريكيون. دعت المبادئ التوجيهية إلى اتباع نظام غذائي منخفض في الدهون والكولسترول ومرتفع في الكربوهيدرات من الخضار والحبوب. أصدرت وزارة الزراعة الأمريكية توصية بـ 300 ميلليغرام فقط من الكولسترول الغذائي يوميا. وهو ليس كثيرا. فعلى سبيل المثال بيضتين كاملتين تحويان 374 ملغ من الكولسترول.
وكانت النتيجة ازدهارا في المنتجات الغذائية التي تم تسويقها على أنها "منخفضة الدهون" و "صحة القلب". الكعك المحلّى قليل الدسم سناكويل، سمن خالية من الكولسترول، واكتظت الرفوف من محلات البقالة برقائق البطاطس بدون الدهون. استبدل الأمريكيون هذه المنتجات المصنعة معمليًا وصناعيًا بالأطعمة الطبيعية التي كانت صحية وعادية لعدة قرون. توقفوا عن تناول البيض والزبدة، تحولوا من الحليب إلى الحليب الخالي من الدسم، وتخلوا عن اللحم المقدود، وأنتم تعرفون الباقي، مادام الأمريكان يفعلون ذلك فالعالم كله سيفعله، نحن نقلدهم في كل شيء لأن أمريكا أم الدنيا.
وعلاوة على ذلك، انضمت شركات الأدوية إلى هذه القافلة وصنعت أدوية خفض الكولسترول تسمى الستاتينات. الستاتينات تعمل عن طريق منع جسمك من إنتاج الكولسترول. بدأ الأطباء وصف هذه الأدوية بكميات كبيرة لأي مريض مستوى الكولسترول عنده أعلى من الطبيعي.
ولكن حدث شيء عجيب بعدها، بالنسبة لمن صدق هؤلاء على الأقل.
المزيد من الأمريكيين كانوا يأكلون طعامًا قليل الدسم وأطعمة خالية من الكولسترول، لكن معدلات أمراض القلب والبدانة استمرت في الصعود. فلماذا حدث ذلك؟
تأكدنا الآن بعد سنين من الممارسات الخاطئة، أن يودكين وزملاءه كانوا على حق. لم يكن الكولسترول والدهون التي تسببت في سمنة الناس وإصابتهم بأمراض القلب، بل كان السكر والكربوهيدرات المعالجة هما السبب. وخمن معي ما هي المواد الغذائية التي استخدمها المصنعون في كثير من الأحيان محل الدهون في "الأطعمة الصحية للقلب"؟ السكر والكربوهيدرات المصنعة! وهذا السمن النباتي الخالي من الكولسترول؟ فهي مصنوعة من الزيوت النباتية المهدرجة التي كونت الدهون غير المشبعة، وهو نوع من الدهون التي في الواقع ترتبط بأمراض القلب والسكتة الدماغية.
تلك المبادئ التوجيهية الغذائية التي يفترض أنها لصحة القلب من السبعينات كانت تعيث فسادا في أنظمة الدورة الدموية لعشرات الملايين من الأمريكيين ومن يقلدهم من الشعوب الفقيرة حول العالم.
وماذا عن وصفات ستاتين الطبية؟ عملوا بشكل رائع في خفض الكولسترول. ولكن ربما بشكل غير جيد. فقد بدأ العديد من المرضى يشكون من أعراض مثل فقدان الذاكرة، والاكتئاب، وزيادة العدوى، وضعف الانتصاب، هذا معناه ضياع مستقبلك يا رجل، وانخفاض مستويات هرمون الذكورة التستوستيرون المسؤول عن صفات الرجولة الخِلقية لديك. اكتشف الباحثون أنه في كثير من المرضى، قلل ستاتين مستويات الكولسترول إلى حد أن الجسم لم يحصل على ما يكفي من الكولسترول ليستمر في الأداء الصحي.
لحسن الحظ، في السنوات القليلة الماضية، استعدنا بعض التعقل عندما يتعلق الأمر بالدهون والكولسترول. وقد أكدت الأبحاث الحديثة ما عرفه العلماء قبل 60 عاما. أن أمراض القلب لا يسببها الكولسترول الغذائي والدهون المشبعة، إنه السكر جنبا إلى جنب مع عوامل نمط الحياة الأخرى - مثل الإجهاد والجلوس الطويل - مما يتسبب في زيادة الالتهابات، مع أن ذلك بات معروفًا في الغرب لكننا على عكس المعقول لا نقلدهم في الخير إلا بصعوبة، مازال الكثيرون يظنون أن الدهون والكولسترول أعداء لصحتهم، ومازالت الشركات تسوّق هذه الخرافات لأنها تعني مبيعات أكثر لمنتجاتهم الضارة.
ونتيجة لهذه المعرفة الحديثة تتراجع الوكالات الحكومية والمنظمات الصحية في أمريكا وبلدان أخرى متقدمة عن حدودها الصارمة للكولسترول الغذائي. في العام 2009، أصدرت اللجنة الاستشارية الأمريكية للمبادئ التوجيهية الغذائية مشروع وثيقة تفيد أن الكولسترول الغذائي يلعب دورا ضئيلا أو معدوما في أمراض القلب، وأن أكثر الناس لا ينبغي أن تقلق بشأن الكولسترول الذي يأكلون. وفي حين أن الفريق لا يصدر مبادئ توجيهية رسمية، فإن الوكالات المسؤولة عن المبادئ التوجيهية للغذاء عادة ما تلتزم بها.
كيف يحصل جسمك على الكولسترول الذي يحتاجه
جسمك ينتج حوالي 80٪ من الكولسترول الذي يحتاجه بنفسه و 20٪ تأتي من الطعام.
يتم إنتاج حوالي 20٪ إلى 25٪ من الكولسترول الذي ينتجه الجسم في الكبد من الأحماض الدهنية. وتشمل الأماكن الأخرى التي يقوم فيها الجسم بتصنيع الكولسترول الأمعاء، والغدد الكظرية، والأعضاء التناسلية.
إذا تناولت الكثير من الكولسترول، جسمك سيقلل الكمية التي ينتجها تلقائيًا. وإن كنت لا تستهلك الكثير من الكولسترول يزيد جسمك من الكمية التي ينتجها من تلقاء نفسه. لذلك حتى لو كنت تأكل الكثير من اللحم والبيض، فستكون مستويات الكولسترول الكلي الخاص بك كما هي. ويبدو أن الموروثات (الجينات) تلعب دورا أكبر في مستويات الكولسترول الكلي وليس النظام الغذائي.
هل من الجيد تناول الكولسترول؟
استنادا إلى الدراسات الحالية حول الكولسترول، يمكن لأكثر الناس استهلاك كميات كبيرة من الكولسترول دون زيادة الكولسترول في الدم أو المخاطرة بالإصابة بأمراض القلب. وهناك نسبة صغيرة جدا من الناس لديها جينات تتسبب في زيادة الكولسترول حين يأكلون اللحم والبيض وغيرها من الطعام كثير الكولسترول. هؤلاء بحاجة لمراقبة كمية الكولسترول في الدم. لمعرفة ما إذا كنت ممن يسميهم العلماء "مفرطي الاستجابة للكولسترول" ستحتاج إلى إجراء اختبار مع طبيبك.
ما ينطبق على الكولسترول ينطبق على الشحم (الدهون) أيضا. وقد وجدت الأبحاث علاقة ضئيلة بين أمراض القلب والشحم، سواء كان الشحم من الدهون من المشبعة أو غير المشبعة. على الرغم من هذا، ابتعد عن الدهون الصناعية. هذا الدهن من صنع الإنسان ثبت أنه يسبب أمراض القلب ومشاكل أخرى في الدورة الدموية. حافظ على نظامك الغذائي من الطعام الطبيعي والغذاء الكامل قدر الإمكان.
الآن أنت تعرف أنك لست في حاجة لخفض الكولسترول. كُل لحمًا وبيضًا كما تحب، ولا تنسَ أن تحمد الله على نعمة الكولسترول لتغذيته دماغك، ومكافحة العدوى، وزيادة هرمون الذكورة اللازم لفحولتك.
التالي: البلاستك