إلا وضعه
بسم الله، الأربعاء ثالث أيام رمضان 1440
انشغلت عن التدوين أمس وأول أمس، النوم غير منتظم ولا أكاد أجد ساعةً واحدةً من فراغ، في أول يوم من رمضان كان لزامًا أن أفطر مع أبي وإخوتي، وكان اجتماعًا مبهجًا، وقد عدت لبيتي آخر الليل.
كنت أخشى بعد وعكته الأخيرة ألا يستطيع أبي الصوم، لكنه صام والحمد لله، ثم سألني قبل المغرب بقليل هل يأكل اللحم، ولعلمي أنه يحب الضأن أكثر مني شخصيًا ويشتهيه لكن يريد تأييدي، قلت له كل ما شئت، قال والنقرس؟! قلت له قدمك متورمة على كل حال، والعافية من الله لا بامتناعك عن الطعام الذي تحب، فجعل يأكل اللحم وأنا أقطّع له وأضع في يده حتى اكتفى، فالحمد لله الذي متّعه بالصوم وباللحم.
صليت العشاء والتراويح بقريتنا في مسجد الحمايدة الجامع، الإمام يقرأ الركعة بآية، لا أعرف أحدًا منهم ولا يعرفني أحد، صليت وانصرفت بلا أي تعطيل سلامات، جلست مع أبي وإخواني قليلًا ثم ودعتهم.
استرحنا في استراحة على الطريق الصحراوي. واحدة من أعظم عادات المصريين أنهم يألفون ويؤلفون بلا مقدمات، في طرفة عين تنسى أنكم غرباء وتزول الحواجز ولا يبقى بينكم إلا مودة المسلم للمسلم، لكننا طبعًا لن نبقى حتى تطلع الشمس في رمضان، فأكملنا رحلتنا بعد أن رفضنا السحور بمشقة.
اليوم الثاني والثالث مرّا كما يمر الحلم، نوم متقطع ولا أعرف السبب، ونعاس يغلبني ليل نهار، والليل كأنه ربع ساعة، كنت أخطط لإنهاء العمل في تطبيق لشركة سياحة مصرية/ألمانية قبل العيد لكن يبدو لي الآن أن الأمر ليس بهذه السهولة.
في بيت أبي شاهدت إعلانًا تلفزيونيًا لشركة اتصالات الإماراتية العاملة في مصر، يجمع محمد رمضان والممثل الأمريكي جان كلود ڤان دام، ولمن لا يعرف ڤان دام من الشباب فقد كان أيقونة أفلام الأكشن في التسعينات، وما كنا نشطح بخيالنا قط فنتصور أن ڤان دام يمثل في إعلان مصري مع ممثل مصري، ليس ذلك فحسب، بل الممثل المصري يضربه ويتغلب عليه أو يكاد، مع أنه بالطبع تقاضى مبلغًا محترمًا في هذا الإعلان، لكنه إهانة لقيمته ما كان ليقبلها وهو في ذروة لمعانه بين نجوم هوليود في زمانه، وذكرني هذا بحديث العضباء أحكيه لكم.
كانَتْ ناقَةٌ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُسَمَّى: العَضْباءَ، وكانَتْ لا تُسْبَقُ، فَجاءَ أعْرابِيٌّ علَى قَعُودٍ له فَسَبَقَها، فاشْتَدَّ ذلكَ علَى المُسْلِمِينَ، وقالوا: سُبِقَتِ العَضْباءُ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ حَقًّا علَى اللَّهِ أنْ لا يَرْفَعَ شيئًا مِنَ الدُّنْيا إلَّا وضَعَهُ. رواه البخاري
كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة (أنثى الجمل) وكانت سريعة في الجري لا تسبقها أي ناقة، فجاء أعرابي ذات يوم على قعود (ناقة صغيرة) فسبق بناقته العضباء، وكانت سباقات الإبل معروفة عند العرب وفي الإسلام، فاشتد ذلك على المسلمين "حز في نفوسهم" أن تُسبق ناقة النبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم قانونًا من قوانين الكون التي وضعها الله في خلقه "إنَّ حَقًّا علَى اللَّهِ أنْ لا يَرْفَعَ شيئًا مِنَ الدُّنْيا إلَّا وضَعَهُ." وضعه أي خفضه، فلا يعلو أحد ولا شيء ويبلغ المنتهى إلا وتدور الأيام فينخفض كما ارتفع، سنة الله في خلقه.