مات أبي
مات أبي يوم الجمعة 25 شوّال 1440 عن 87 سنة، غسلته وكفّنته بيدي، وأنزلته قبرًا يلي قبر أمه إلى جوار اثنتين من نسائه وعديد من رحمه، أسأل الله أن يرحمهم جميعًا وأن يجمعنا بهم في دار السلام.
قبل صلاة الجنازة خطب فينا من كان يعرفه، فقال يصفه "كان يجهر بالحق، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يعرف المجاملة، ويقول للمنافق أنت منافق في عينه." وأشهد أنه صدق، فإن كانت لأبي صفة واحدة غير الجود يعرّف بها لكانت أنه بالغ الصراحة لا يحسن المجاملة ولا يتصنع، لا يتكلف الكلمة الثانية، يقول الحق ولا يبالي بلوم اللائم، وإني لأرجو أن أكون ورثت ذلك عنه.
كان رحمه الله عربيًا قحًا على الفطرة، يحب الطيبات من كل شيء ويكره ما يدنس ثوب الرجل، وكان يحب طول العمر ويكره المرض، فطال عمره وما مرض قط إلا بالنقرس يعاوده كل بضع سنين، وما انحنى ظهره ولا هتر حتى آخر يوم من عمره، ذاكرته عجيبة لا يكاد ينسى شيئًا رآه أو سمعه، لا تطلع الشمس وهو نائم ولا يغتسل إلا بالماء البارد، وأنا أغسله كدت أحصي الشعرات البيضاء في رأسه، وأسنانه تامة إلا بضعة ضروس بليت ولم تذهب جذورها، رحمه الله ما كان يأكل ليملأ بطنه ولا يضع في فيه إلا أطيب الطعام، أخذ من الدنيا ما يشتهي أحدنا ودفع الله عنه ما نكره، ومع أنه كان منعمًا ينال ما يحب في غير كد، لكنه كان سجين الدنيا وقد عفا الله عنه فأخرجه منها مؤمنًا موحدًا، معه الصلاة التي كان يقيمها وبر أمه التي ماتت وهي راضية عنه.
ادعوا لوالديكم ثم له ولأموات المسلمين جميعًا بالرحمة، فإنه لا أحد يدخل الجنة وينجو من النار إلا برحمة الله تبارك وتعالى.
الليلة أول ذي القعدة، الشهر الحادي عشر من عام 1440، وهو من الأشهر الأربعة الحُرُم، ابحثوا عن معنى الأشهر الحرم وما يلزم المؤمنين فيها وعظموها فإن ذلك هو الدين القيّم.