الحمد لله الذي خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم، وعلى آله وصحبه.
الأدب في الأصل حسن الخلق ورياضة النفس، ومعرفة ما ينبغي قوله وفعله في الأمور كلها، وهو ما يسميه الإفرنج إتيكيت Etiquette والعرب أمة أمية، لا تهتم للقراءة ولا الكتابة، وقد كانوا يؤدبون أبناءهم شفاهةً باللسان، يروون لهم الأشعار والأمثال وأخبار الأولين، فيحفظون بها المعاني، ويتذكرون بها ما ينبغي قوله وفعله، ثم جاء الإسلام واتسعت دولة المسلمين فحفظوا أدبهم في الكتب قبل أن يضيع، ومرت السنين فنسي الناس معنى الأدب الأصلي وما عادوا يعلمون منه إلا أنه كلام جميل موزون وأخبار طريفة مسلّية.
هذا كتاب أدب بمعناه الأصلي، جمعت فيه وصايا مختصرة للشباب في كل أمور الحياة، أكثرها من تجارب شخصية وخبرات عملية لرجل قارب الخمسين، بعضها مما علمني أبي رحمه الله، وكان عربيًا قحًا أدرك حكمة الأولين، وبعضها مما علمتني الحياة. وقد تعلمك الدنيا ما لم يعلمك أبوك. بعضها تعلمته وعملت به فنفعني الله به، وبعضها خالفته فتأدبت به، وقد يتعلم ابن آدم بالتجربة والخطأ ما لا يتعلم بالسداد من أول مرة.
دفعني إلى تأليف هذا الكتاب منشور لشاب في إحدى مجموعات فيسبوك، قال في فيه أنه "ولد" وأنه مقبل على الزواج خلال أيام، ثم سأل عن النصائح التي تخص النظافة الشخصية، لأنه قليل الخبرة، وقد آلمني ما قرأت، فذلك البائس واحد من ملايين الشباب في هذا الزمان، لم يعلمه أبوه الطهارة وكيف يعتني ببدنه، فكيف بما هو أكثر من ذلك، من الآداب والأخلاق التي يجب على الوالد أن يؤدب بها ولده، فكتبت لذلك مقالة عن النظافة الشخصية، ثم وسعت المقالة إلى دليل الفحولة، ثم عرضت لي أمور وأنا أكتب دليل الفحولة، من الآداب والأخلاق التي لا بد للرجل منها، فجمعتها ها هنا، رجاء أن ينتفع بها الشباب.
الوصايا تتنوع من الدين والعقيدة وإصلاح أخلاقك إلى الطبخ وترقيع ثوبك وتقليم أظفارك، مرورًا بالسفر والرياضة والصحة والعلاقات وأمور أخرى. جعلتها موجزة من غير حشو، سهلة الفهم، بلسان فصيح، ميسّرة للشباب خاصة. ونثرتها في غير ترتيب ولا تبويب، كي لا تمل قراءتها. وقد خالفت طريقة الأولين فبدأت بعض الوصايا بكلامي ثم أتيت بعده بشاهد من القرآن والحديث، لا استقلالًا لها ولا استهانةً بها معاذ الله، ولكن لأن الشاهد قد يحتاج إلى شرح فيكون الكلام الذي قبله شارحًا له وموصلًا للمعنى بلسان يفهمه قارئ هذا الزمان، حتى إذا قرأ بعده الآية والحديث قرأه وهو يفهمه لا ينتظر له شرحًا.