يوم الفطر أول شوّال 1440

بسم الله، الثلاثاء أول يوم من شوّال 1440

كثر الهري - كالعادة - في فيسبوك و تويتر عن رؤية الهلال، وكان حديث الساعة ليلة أمس اختلاف مصر والسعودية في تعيين يوم الفطر. كل واحد يدلي بدلوه في البئر لعله يرجع بشيء، منهم من يفتي وينقل الأدلة الشرعية لينال أجرًا، ومنهم من يلبس عمامة البيروني فيكلمك عن الحسابات الفلكية، منهم المستقيم الذي يعظم شعائر الله ويبحث عن الحق، ومنهم "العيّل الصيص" الذي يقفز في أي مناسبة ليلقي بنكتة تضحك الناس، لعله ينال إعجابهم فتزيد لايكاته وشيراته ورتويتاته، أو من باب الاستظراف وحب التنكيت، ومنهم من يعجبه عقله ويميل لرأي من هواه بلا دليل ولا بينة. كل واحد بقدر ما يعلم - أو يجهل - من الدين، وبقدر تعظيم الدين في نفسه. وكان أكثر الكلام في هذا الموضوع من المصريين، لأن الناس كانت تنتظر أن نرى الهلال كما رآه غيرنا، أو على الأقل تتعذر رؤيته علينا جميعًا فنكون في مركبٍ واحد، ولأن كثيرًا منهم قد رتّب أموره وهيأ حاله مع أولاده للاحتفال بالعيد اليوم. الأمهات لابد أنهن عانين أشد المعاناة لإقناع الصغار أن العيد لن يأتي في وقته، كمعاناة أم في فيلم أمريكي تشرح لابنتها لماذا لن يأتي سانتا في الكريسماس.

نالت دار الإفتاء المصرية نصيب الأسد من سخرية - و سفّ - المصريين، لأن كثيرًا منهم يربط الأمر بالعلاقات السياسية بين مصر والسعودية، وربما خضوع دار الإفتاء لهوى الرئيس، ولأن دار الإفتاء لا تحظى بتقدير كثير من المصريين أصلًا ويتصيدون لها الأخطاء وما أكثر ما تخطئ، لكني - مع معارضتي لكثير من فتاواهم - لا أحمل عليهم في هذا الأمر بعينه، لأنهم ما فعلوا أكثر من أن قالوا أن الهلال لم يظهر لهم، وهذا ممكن عقلًا بحسابات الفلك، فالقمر في هذا الوقت يكون في أقل ظهور له من حيث مساحته ومن حيث الوقت القصير الذي يظهر فيه، ومن الوارد ألا يراه الناظر مع أنه بحسابات الفلكيين أمام عينيه، وأنا مازلت أحسن الظن بهم ما لم يظهر خلاف ذلك، لكني خالفتهم لأن غيرهم رآه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، يعني الهلال، وهذا أمر لعموم المسلمين بالصوم والإفطار برؤية الهلال، إذا رآه واحد من المسلمين عدل (لا يشهد الزور) ألزمهم جميعًا، وقد تعذّر على دار الإفتاء المصرية رؤية الهلال، لكن إخواننا في بلاد أخرى من بلاد المسلمين قد رأوه في مواضع متفرقة وبلغني ذلك، فوجب علي الفطر، كما كان يجب علي الصوم لو أن هذه البلاد رأت هلال رمضان قبل بلدي وبلغني ذلك، وكنت أرجو أن يعمل المفتي بهذا لأنه الظاهر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه اختار القول بأن الرؤية تخص أهل كل بلد، وهذا لم يرد في الحديث، ولو سلمنا بصحته لكان المعني به أهل كل مدينة أو قرية، لا أهل كل دولة مترامية الأطراف، فماذا عن المقيمين على الحدود بين دولتين تصوم إحداهما وتفطر الأخرى ولا يفصل بينهما إلا سلك شائك؟ لا بد أن يكون ميقاتهما واحد، وإن اختلفت مواقيت العواصم البعيدة عنهم آلاف الأميال، إلا لو كنت تعد الحدود الجغرافية التي وضعها الصليبيون ذات قيمة في الشرع، وهذا عبث لا يقول به عاقل.

اقرأ المزيد من يومياتي.

سامي الطحاوي السلمي