الأنفس حيث رآها رسول الله ﷺ ليلة أسري به أرواح أهل السعادة، عن يمين آدم عليه السلام، وأرواح أهل الشقاء عن شماله عند سماء الدنيا، لا تفنى، ولا تنتقل إلى أجسام أخر، لكنها باقية حية حساسة عاقلة في نعيم أو نكد إلى يوم القيامة، فترد إلى أجسادها للحساب وللجزاء بالجنة أو النار، حاشا أرواح الأنبياء عليهم السلام وأرواح الشهداء فإنها الآن ترزق وتنعم، ومن قال بانتقال الأنفس إلى أجسام أخر بعد مفارقتها هذه الأجساد فقد كفر.
برهان هذا ما حدثناه عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب أنا يونس، هو ابن يزيد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله ﷺ : "فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل (عليه السلام) ففرج صدري ثم غسلـه من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل (عليه السلام) لخازن السماء الدنيا افتح قال: من هذا ؟ قال: جبريل، قال: هل معك أحد ؟ قال: نعم معي محمد ﷺ قال: فأرسل إليه ؟ قال: نعم ففتح فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شمالـه بكى قال فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح فقلت يا جبريل من هذا ؟ قال: هذا آدم (عليه السلام) وهذه الأسودة التي عن يمينه وعن شمالـه نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شمالـه أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شمالـه بكى (قال) ثم عرج بي جبريل (عليه السلام) حتى أتى السماء الثانية".
قال أنس: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة. وذكر الحديث.
ففي هذا الخبر مكان الأرواح، وأن أرواح الأنبياء في الجنة.
وأما الشهداء فإن الله عز وجل يقول : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون".
وقال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" "فرحين بمآ آتاهم الله من فضله".
ولا خلاف بين مسلمين في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدرا ودرجة وأتم فضيلة عند الله عز وجل وأعلى كرامة من كل من دونهم، ومن خالف في هذا فليس مسلمًا.
حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال : قال النبي ﷺ : "إذا مات الرجل عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فالجنة وإن كان من أهل النار فالنار، ثم يقال له: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة".
ففي هذا الحديث أن الأرواح حساسة عالمة مميزة بعد فراقها الأجساد.
وأما من زعم أن الأرواح تنقل إلى أجساد أخر فهو قول أصحاب التناسخ، وهو كفر عند جميع أهل الإسلام. وبالله تعالى التوفيق.