كتاب المُحَلَّى في شرح المُجَلَّى بالحجج والآثار لابن حزم الأندلسي > باب التوحيد
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان على كل أحد على قدر طاقته باليد، فمن لم يقدر فبلسانه، فمن لم يقدر فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، ليس وراء ذلك من الإيمان شيء.
قال عز وجل: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
وقال تعالى: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"
حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن المثنى قال ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان الثوري، وقال ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، ثم اتفق سفيان وشعبة، كلاهما، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قال أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله ﷺ يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
وبه إلى مسلم حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن الحارث، هو ابن الفضيل الخطمي، عن جعفر بن عبد الله بن عبد الحكم، عن عبد الرحمان بن المسور بن مخرمة، عن أبي رافع هو مولى رسول الله ﷺ، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".
لم يختلف أحد من المسلمين في أن الآيتين المذكورتين محكمتان غير منسوختين, فصح أن ما عارضهما أو عارض الأحاديث التي في معناهما هو المنسوخ بلا شك.