كتاب المُحَلَّى في شرح المُجَلَّى بالحجج والآثار لابن حزم الأندلسي > باب التوحيد

النفس مخلوقة

برهان ذلك أننا نجد الجسم في بعض أحواله لا يحس شيئا، وأن المرء إذا فكر في شيء ما، فإنه كلما تخلى عن الجسد كان أصح لفهمه وأقوى لادراكه، فعلمنا أن الحساس العالم الذاكر هو شيء غير الجسد ونجد الجسد إذا تخلى منه ذلك الشيء موجودا بكل أعضائه، ولا حس له، ولا فهم إما بموت، وإما بإغماء، وإما بنوم.فصح أن الحساس الذاكر هو غير الجسد، وهو المسمى في اللغة نفسا وروحا، وقال الله تعالى ذكره : "الله يتوفى الأنفس حين موتـها والتي لم تمت في منامـها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".

فكانت النفوس كما نص تعالى كثيرة،وكذلك وجدناها نفسا خبيثة وأخرى طيبة، ونفسا ذات شجاعة وأخرى ذات جبن، وأخرى عالمة وأخرى جاهلة.

فصح يقينا أن لكل حي نفسا غير نفس غيره، فإذا تيقن ذلك وكانت النفوس كثيرة مركبة من جوهرها وصفاتها، فهي من جملة العالم، وهي ما لم ينفك قط من زمان وعدد فهي محدثة مركبة، وكل محدث مركب مخلوق. ومن جعل شيئا مما دون الله تعالى غير مخلوق فقد خالف الله تعالى في قوله : "خلق كل شيء"، وخالف ما جاءت به النبوة وما أجمع عليه المسلمون وما قام به البرهان العقلي.

سامي الطحاوي السلمي