محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله ﷺ إلى جميع الإنس والجن، كافرهم ومؤمنهم.

برهان ذلك أنه ﷺ أتى بهذا القرآن المنقول إلينا بأتم ما يكون من نقل التواتر، وأنه دعا من خالفه إلى أن يأتوا بمثله، فعجزوا كلهم عن ذلك، وأنه شق له القمر، قال الله عز وجل : "اقتربت الساعة وانشق القمر - وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر - وكذبوا واتبعوا أهوآءهم وكل أمر مستقر * ولقد جآءهم من الأنبآء ما فيه مزدجر - حكمة بالغة فما تغنـي النذر".

وحن الجذع إذ فقده حنينا سمعه كل من حضره، وهم جموع كثيرة.

ودعا اليهود إلى تمني الموت إن كانوا صادقين، وأخبرهم أنهم لا يتمنونه، فعجزوا كلهم عن تمنيه جهارا.

ودعا النصارى إلى مباهلته فأبوا كلهم.

وهذان البرهانان مذكوران جميعًا في نص القرآن، كما ذكر فيه تعجيزه جميع العرب، عن أن يأتوا بمثله، أولهم عن آخرهم، ونبع لهم الماء من بين أصابعه، وأطعم مئين من الناس من صاع شعير وجدي، وأذعن ملوك اليمن والبحرين وعمان لأمره للآيات التي صحت عندهم عنه، فنزلوا عن ملكهم كلهم طوعا دون رهبة أصلًا، ولا خوفا من أن يغزوهم، ولا برغبة رغبهم بها، بل كان يتيما فقيرا.

وهناك قوم يدعون النبوة كصاحب صنعاء وكصاحب اليمامة، كلاهما أقوى جيشا وأوسع منه بلادا، فما التفت لهم أحد غير قومهما، وكان هو أضعفهم جندا وأضعفهم بلدا وأبعدهم من بلاد الملوك دارا، فدعا الملوك والفرسان الذين قد ملئوا جزيرة العرب وهي نحو شهرين في نحو ذلك إلى إقامة الصلاة وأداء الزكاة وإسقاط الفخر والتجبر، والتزام التواضع والصبر، للقصاص في النفس فما دونها من كل حقير أو رفيع دون أن يكون معه مال، ولا عشيرة تنصره، بل اتبعه كل من اتبعه مذعنا لما بهرهم من آياته، ولم يأخذ قط بلدة عنوة وغلبة إلا خيبر ومكة فقط وفي القرآن العظيم: "قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إلـه إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" وقال تعالى: "يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هـذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين" وقال تعالى: "قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به" إلى قوله: "وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولـئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا"، وقال تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".

مختصر باب التوحيد

سامي الطحاوي السلمي