من عمل في كفره عملا سيئا ثم أسلم، فإن تمادى على تلك الإساءة حوسب وجوزي في الآخرة بما عمل من ذلك في شركه وإسلامه، وإن تاب عن ذلك سقط عنه ما عمل في شركه. ومن عمل في كفره أعمالا صالحة ثم أسلم جوزي في الجنة بما عمل من ذلك في شركه وإسلامه، فإن لم يسلم جوزي بذلك في الدنيا ولم ينتفع بذلك في الآخرة.

حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون، وإبراهيم بن دينار، واللفظ له قالا، حدثنا حجاج، وهو ابن محمد، عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث، عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا ﷺ فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت : "والذين لا يدعون مع الله إلـها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولـئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما" "ومن تاب وعمل صالحا".

فلم يسقط الله عز وجل تلك الأعمال السيئة إلا بالإيمان مع التوبة مع العمل الصالح.

وبه إلى مسلم حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال : قال أناس لرسول الله ﷺ : يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال: "أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها ومن أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام".

وبه إلى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال : قلنا يا رسول الله "أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: "ومن أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر".

وبه إلى مسلم حدثنا حسن الحلواني، حدثنا يعقوب، هو ابن إبراهيم بن سعد، حدثنا عن صالح، هو ابن كيسان، عن ابن شهاب أخبرنا عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره، أنه قال لرسول الله ﷺ : "أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر؟ فقال رسو ل الله ﷺ: أسلمت على ما أسلفت من خير".

فإن ذكروا قول الله عز وجل : "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين".

وقوله ﷺ لعمرو بن العاص "إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله".

قلنا : إن كلامه ﷺ لا يعارض كلامه، ولا كلام ربه،ولو كان ذلك وقد أعاذ الله من هذا لما كان بعضه أولى من بعض ولبطلت حجة كل أحد بما يتعلق به منه.

وكذلك القرآن لا يعارض القرآن، ولا السنة.

قال عز وجل : "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"

فأما قوله تعالى : "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين" : إن من انتهى غفر له.

وأما من لم ينته عنه فلم يقل الله تعالى أنه يغفره له، فبطل تعلقهم بالآية.

وأما قوله ﷺ: "إن الإسلام يهدم ما كان قبله"

وهو قولنا، لأن الإسلام اسم واقع على جميع الطاعات، والتوبة من عمل السوء من الطاعات.

وكذلك قوله ﷺ في الهجرة إنما هي التوبة من كل ذنب، كما صح عنه ﷺ "المهاجر من هجر ما نهى عنه".

حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد، حدثنا إبراهيم بن أحمد، حدثنا محمد بن يوسف الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي ﷺ قال : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص بن غياث، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أم المؤمنين قالت : "قلت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين".

حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أحمد بن فتح، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا مسلم، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس قال : قال رسول الله ﷺ : "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيعطى بحساب ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها".

مختصر باب التوحيد

سامي الطحاوي السلمي