كتاب المُحَلَّى في شرح المُجَلَّى بالحجج والآثار > مسائل من الأصول
الموقوف والمرسل لا تقوم بهما حجة، وكذلك ما لم يروه إلا من لا يوثق بدينه وبحفظه، ولا يحل ترك ما جاء في القران أو صح عن رسول الله ﷺ لقول صاحب أو غيره، سواء كان هو راوي الحديث أو لم يكن، والمرسل هو ما كان بين أحد رواته أو بين الراوي وبين النبي ﷺ من لا يُعرف، والموقوف هو ما لم يبلغ به إلى النبي ﷺ.
برهان بطلان الموقوف قول الله عز وجل "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" فلا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ، ولا يحل لأحد أن يضيف ذلك إلى رسول الله ﷺ لأنه ظن.
وقد قال تعالى : "إن الظن لا يغني من الحق شيئا".
وقال تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم".
وأما المرسل ومن في رواته من لا يوثق بدينه وحفظه فلقول الله تعالى "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم" فأوجب عز وجل قبول نذارة النافر للتفقه في الدين.
وقال "يأيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".
وليس في العالم إلا عدل أو فاسق، فحرم تعالى علينا قبول خبر الفاسق فلم يبق إلا العدل، وصح أنه هو المأمور بقبول نذارته.
وأما المجهول فلسنا على ثقة من أنه على الصفة التي أمر الله تعالى معها بقبول نذارته، وهي التفقه في الدين، فلا يحل لنا قبول نذارته حتى يصح عندنا فقهه في الدين وحفظه لما ضبط، عن ذلك وبراءته من الفسق وبالله تعالى التوفيق.
ولم يختلف أحد من الامم في أن رسول الله ﷺ بعث إلى الملوك رسولا رسولا واحدا إلى كل مملكة يدعوهم إلى الإسلام واحدا واحدا، إلى كل مدينة وإلى كل قبيلة كصنعاء والجند وحضرموت وتيماء ونجران والبحرين وعمان وغيرها، يعلمهم أحكام الدين كلها، وافترض على كل جهة قبول رواية أميرهم ومعلمهم.
فصح قبول خبر الواحد الثقة، عن مثله مبلغا إلى رسول الله ﷺ.
ومن ترك القران أو ما صح عن رسول الله ﷺ لقول صاحب أو غيره، سواء كان راوي ذلك الخبر أو غيره، فقد ترك ما أمره الله تعالى باتباعه لقول من لم يأمره الله تعالى قط بطاعته، ولا باتباعه. وهذا خلاف لامر الله تعالى.
وليس فضل الصاحب عند الله بموجب تقليد قوله وتأويله ; لإن الله تعالى لم يأمر بذلك، لكن موجب تعظيمه ومحبته وقبول روايته فقط، لإن هذا هو الذي أوجب الله تعالى.